
تناهى إلى سمعي أن بعضا من رواد الفيسبوك الذي من الله علي أن هجرته منذ فترة يستغل ما أوتي من فضلة في الوقت والتحرير يفضل أن يضن بهما عن توظيفهما في واجبهما من تحصيل درهم لمعاش أو حسنة لمعاد ليحاول ـ يائسا ـ خدش من لا جامع بينه وبينه إلا جامع الإنسانية أو الجنسية.
فلعله اختلط في ذهنه أو انساق إلى سيئ فهمه خلط بين الغبط والغمط ، ولهذ ولغيره أقول:
لايغرنك ماقد يشي به المفهوم من التداخل اللغوي أو الاصطلاحي أحيانا بين بعض المفاهيم أوالمصطلحات التي منها هذه.
فالغبطة هي : "أن يتمنى المرء مثل ما للمغبوط من النعمة من غير أن يتمنى زوالها عنه".
أما الغمط فهو: جحود الحق وإنكاره مع العلم به، ويدخل فيه ازدراء الناس واحتقارهم، ومنه الحديث (الكِبْر بَطر الحق وغَمط الناس)، فكأن الذي اطلع على نعمة أنعم الله بها على غيره، فجحدها وأنكرها مع حاصل علمه بها وبقيمتها، أو سعى أكثر من ذلك إلى التقليل من شأنها وصاحبها، إنما يفعل فعلته غير الحميدة هذه بدافع تمني زوال النعمة الماثلة كالشمس في رابعة النهار عن من امتن الله بها عليه، سواء كان فقد المُنعَم عليه للنعمة يؤدي لعودها على الغامِط أو لا، وهنا يترادف ويختلط الغمط مع رذيلة المرض العضال المسمى :الحسد أعاذني الله وإياكم منه ومن أسبابه.
ــ جاء في بعض المعاجم: " الحسد أن تتمنى زوال نعمة المحسود إليك" ، وحسده إذا تمنى أن تتحول إليه نعمته وفضيلته أو يسلبها هو، وقيل الحسد أن يرى الرجل لأخيه نعمة فيتمنى أن تزول عنه وتكون له دونه.
أما الحسد في علم الاجتماع النفسي فهو: " شعور حاد مؤلم بالضّعة والغيظ ، ينتج عادة عن خيبة الشخص في الاستحواذ على هدف فشل في الوصول إليه، بينما نجح في الوصول إليه آخرون ممن يصبحون موضع نقمته وحقده "
ــ وفي الأثر: (اللهم غَبْطاً لا هَبْطاً)، ومعناه سؤال النعمة التي يُغبَط عليها صاحبها بسببها، وطلب دفع التردِّي من الحالة الحسنة إلى الهبوط والضَّعة .
وقيل معناه : سؤال الغبطة التي هي النعم والمسرات، والتعوذ من الذُّل والهوان والخنوع وما في معانيها.
ومن نافلة القول إن داء الحسد لا خلاف في تصنيفه على أنه مرض اجتماعي ونفسي خطير، يحترق بسببه صاحبه أولا كلما رأى ببصره أو بصيرته ـ إن كانت ـ المحسود يتقلب في نعمه، قبل الحديث عن فتكه بالمجتمعات والشعوب.
وقد ورد في التنزيل تعداد صفتين منكرتين من صفات اليهود على سبيل الذم، وذلك قوله جل في علاه: [أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ].
فقد ذكر صاحب الكشاف بأن الوصف الوارد في الآيتين وصف لليهود بالبخل والحسد وهما شرّ خصلتين:
الأولى: أنه لو كان لهم نصيب من الملك لا يؤتون أحداً مقدار نقير لفرط بخلهم. الثانية : أنهم يتمنون أن تكون لهم نعمة غيرهم لفرط حسدهم.
وتأسيسا عليه ألا يحق لنا أن نتساءل :
ما ذنب من أقام لنفسه بمجهود ذاتي لا منة لأحد فيه عليه مقاما يستدرك به ما فات أو عجز أو قصر أو تقاصر عنه السابقون وربما غبطه عليه المنصفون ممن ليس في قلوبهم مرض من المعاصرين وكذا اللاحقين؟
ــ هل ذنبه أنه استنطق صوامت القرون التي كانت صخرة صماء تنكسر عليها إشعاعات جل الباحثين لكونها بنظرهم هي منتهى التسلسل التوثيقي ومبلغ الرصيد الوثائقي بصورة عامة ، لذلك يعتبرها غالبيتهم حلقة مفرغة (مفقودة)، أشبه ـ إن جاز التعبير ـ بالثقوب السوداء التي تبتلع كل ما يقترب منها، فكان في حسبان باحثي هذا المنكب البرزخي أنها خلو من أي توثيق أو نص أدبي خاصة في المجال النثري .. إلى أن كشف د.أحمدو ولد حبيب الله الستار عن أطروحته ـ محل الحديث ـ التي أزالت الغشاوات وصححت الأغلاط وفرضت إعادة صياغة النظريات ...
فهل جريرته ـ بعد ذلك ـ عند من نسأل الله لهم الشفاء العاجل أنه كشف الستارعن المخفي وراء عاديات وعاتيات الزمن من كل ما هو مفيد في مجاله مما ينفع الناس ويمكث في الأرض؟
ـ هل ذنبه أن من الله عليه بأن جمع فيه بعض الصفات الضرورية للبحث الجاد وللباحث المنتج المفيد؟
ـ هل ارتكب مثلا إثما بتمثيله بلاده أرفع وأروع تمثيل في العصر الراهن، حق لها أن تفخر وتفاخر به في المحافل العلمية العالمية؟
ـ أم أنه ارتكب غلطا في حسابات النكرات لما رفع عاليا مؤشر القيمة العلمية لعشيرته الشقروية الشريفة، التي لم تتّضع يوما في مجال العلم والمعرفة، فثارت لذلك غيظا وغمطا ثائرة من قصرت به وأقعدته هممه أن يجرؤ أو يتجاسرعلى مطاولة شاخص شامخ البنيان؟.
فالشقرويون لزيادة رصيدك (...) يا هذا ـ رغم جهلي بك وبحاضنتك ـ إن كنت أضمرت تعميم ما تتبرع بتوزيعه مجانا وبسخاء من كيل غمط عليهم فيه تخسير للميزان أهدي لك يسيرا من بطاقة تعريفهم:
قوم هم القوم من يحضر نواديهم يحضر نوادي قوم فضل لسن
أو إن شئت:
قوم هم الأنف والأذناب غيرهم ومن يسوي بأنف الناقة الذنبا
فلم يبق لهذا الشانئ إلا أن يمزق تصانيف صاحب هذه الأطروحة المحمودة على ألسنة القاصي والداني رغم أنفه، أو يقتل عشيرته عل الحشى منه بعد شديد لهيب الحر يبترد، وهيهات ..
قال تعالى : (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ).
حقيقة الله أعلم بدوافع ودواعي ما قاءت به أزرار ابتليت بأن عبثت وعاثت بأحرفها أنامل عابث فقد زمام المبادرة الموفقة حين فقد السيطرة على نفسه غما وحنقا، لينفث غلبة نفثة ملغوب ضاق عليه ما رحب من آفاق الفضائل وعزت عليه سبل مكتسبات المجد و المعالي حتى ظن أن لا سبيل إليها غير محاولة تغطية الشمس بمهترئ غربال أنهكه بالغ الخرق، فعبثا يحاول ...
ومما يؤكد أن هذه الأطروحة الناضجة على هادئ صبر وأناة وثبات سيكون لها ما بعدها لما لها من قيمة علمية وأدبية لامداني لها فيها من أي منتج علمي أو أدبي في بلادنا اليوم وربما في غيرها أن مثل هذا الصوت المبحوح (الغامط) كان نشازا مقابل إجماع من يعتد بإجماعهم في الميدان والسياق على تثمينها والتنويه بها والإشادة شهادة لصاحبها وبالجهد الكبير المبذول فيها (غبطة منهم)، لعلمهم وعملهم بأنه إنما يعرف الفضل لأهل الفضل أهل الفضل .. فلهم مني كل باسمه وجميل وسمه كامل الاحترام التقدير.
الشريف الشنقيطي الإدريسي ( د : آلا ولد محمدن ولد منيه)