
أعلنت اللجنة الوطنية للمسابقات - يوم 21 مارس المنصرم - النتائج النهائية لمقاعد كانت محلّ طعن من مسابقة لاكتتاب 100 أستاذ للتعليم العالي، شكّلت أطول مسابقة في تاريخ البلاد، حيث استمرت من 07 ديسمبر 2023، وحتى مارس 2025، وعرفت العديد من الخروقات والطعون أمام القضاء، طالت حتى المرحلة الأخيرة من المسابقة.
وعرفت المسابقة الطويلة محطات مختلفة، ومناكفات بين اللجنة الوطنية للمسابقات وعدد من المشاركين فيها، كما فرضت الغرفة الإدارية في المحكمة العليا على اللجنة تعليق الحسم في عدد من مقاعدها بعد تحقيق رصَد العديد من الخروقات والمخالفات في هذه المسابقة الأولى من نوعها التي تشرف عليها اللجنة، بعد أن كانت مسابقات التعليم العالي تسند - سابقا - إلى لجنة خاصة تشكّلها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي.
واستمرت المسابقة 16 شهرا – حتى الآن – من السابع ديسمبر 2023، وحتى مارس 2025، وهو ما يساوي الفترة الزمنية التي تطلبتها آخر مسابقتين تنظمان لاكتتاب أساتذة للتعليم العالي، حيث تطلبت المسابقة المنظّمة 2016 ستة أشهر، فيما استمرت الثانية المنظمة 2020 تسعة أشهر، أي ما مجموعه 15 شهرا، وهي فترة أقل من الفترة التي أخذتها المسابقة الحالية.
وتطلبت المسابقة الحالية وقتا أطول، مع أن عدد المكتتبين فيها أقل من المسابقتين السابقتين، حيث اكتتب في الأولى 119، والثانية 181 أستاذا، في لا يتجاوز عدد المطلوب اكتتابهم في المسابقة الحالية 100 أستاذ.
خروقات بالجملة
ويُظهر مسار المسابقة الأطول من نوعها حصول العديد من الخروقات أولها تصريح اللجنة في بلاغ إعلان المسابقة باعتماد شبكة تقويم وصفتها بالمؤقتة؛ بناء على مرسوم تم إلغاؤه، وهو المرسوم رقم: 116 – 2018، والذي اعترفت اللجنة بأنه تم إلغاؤه بالمرسوم رقم: 068 – 2023.
كما أن من الملاحظات التي عرفتها المسابقة تمديدها مرتين، أولاهما يوم 26 ديسمبر لحظات قبل انتهاء الأجل الأول الذي كان محددا للترشح لها بتاريخ 27 ديسمبر 2023، وقد تم التمديد حتى 11 يناير 2024، ليتم تمديد الفترة مرة أخرى حتى 25 يناير 2024.
وقد أعلنت اللجنة توصيفا للمقاعد مع البلاغ الافتتاحي الأول، حيث ترشح غالبية المشاركين في المسابقة، ومع تمديد فترة المسابقة، تم الإعلان عن توصيف جديد لبعض المقاعد، وذلك بعد اكتمال تقديم ملفات المشاركين الذين أكملوا ملفاتهم خلال الأجل الأوّل.
كما عرفت المسابقة فوز مشاركة ناقشت أطروحتها للدكتوراه يوم 12 – 12 – 2023، أي بعد أيام من صدور بلاغ المسابقة، وهي الدكتورة يحجب بوه محمد المامون خطراتي، والتي تصدّرت لائحة المتنافسين على مقعد "الشبكات، النظم وأمن المعلومات بالمعهد العالي للرقمنة"، رغم أن من بين من تنافسوا معها على المقعد الدكتور أحمد يوسف اخليل، والذي – لديه وفق الوثائق المقدمة للجنة - تجربة 15 سنة، وقدّم ملفا يتضمن أكثر من 10.000 ساعة تدريس.
وفي مرحلة تدقيق ملفات المشاركين لمعرفة مدى استحقاق المشاركة، تم قبول أحد الملفات، ورفض ملف أستاذ كان عضوا في اللجنة التي أشرفت على تخرجه.
كما قبلت اللجنة ملف المترشحة منى الحضرامي السالك، رغم عدم تقدمها بوثيقة توكيل حديثة تخول اللجنة التحقق من صحة الوثائق، وهي – حسب إعلان لجنة المسابقات – وثيقة إلزامية، وتفرض استبعاد من لم يتقدم بها من مرحلة المقبولية الإدارية.
وقد فازت المتسابقة بمقعد علم الأحياء في المدرسة العليا للتعليم، وكان المقعد محل طعن خلال المرحلة الأولى، حيث تم تجميده من طرف الغرفة الإدارية بالمحكمة العليا بناء على تقدم الدكتور محمد محمود سيدينا.
واستنكر عدد من المشاركين تغيير اللجنة لشبكة التنقيط، حيث أعلنت اللجنة شبكة تنقيط أوّلية بناء على المرسوم الذي اعترفت بإلغائه، وفي 12 سبتمبر 2024، وبالتزامن مع إعلان النتائج لمرحلة النجاح المؤقتة، أصدرت اللجنة ملحقا جديدا بشبكة تنقيط جديد، وذلك بعد أكثر من تسعة أشهر من صدور شبكة التنقيط الأولى، والتي تقدّم المتسابقون على أساسها، وبعد اطلاع اللجنة بشكل تفصيلي على ملفات المشاركين.
إلغاء وتغيير...
وأثناء مسار المسابقة الطويل جدا، عمدت اللجنة الوطنية للمسابقات إلى إلغاء بعض المقاعد التي أعلنت عنها سابقا، كما غيّرت توصيف مقاعد أخرى، وتم تحويل مقاعد بعض التخصصات إلى تخصصات أخرى.
ومن بين المقاعد التي تم إلغاؤها مقعد الهندسة الميكانيكية، ومقعد الفيزياء والماء، وكلاهما في المعهد العالي التكنولوجي في روصو، كما تم تغيير توصيف مقعد بيولوجيا في المدرسة العليا للتعليم، حيث ظهر له توصيف مع إعلان المسابقة الأصلي، وبعد فترة عادت اللجنة لتعلن عن توصيف آخر.
فيما طال الإلغاء ثلاثة مقاعد القانون بشقيه العام والخاص، كما طال التحويل مقعد التاريخ إلى الفلسفة.
وقد رفضت لجنة المسابقات - دون أي مستند قانوني - استقبال الملفات ورقيا، واعتمدت بشكل حصري على المنصة الإلكترونية، رغم أنها شهدت عدة اختلالات فنية في تلقيها وتعاطيها مع الوثائق المحمّلة دون أن تقوم اللجنة باستحداث بدائل لتلافي الأخطاء الناتجة عن تلك الاختلالات.
لجنة "مخفية"؟؟
كما كان من الملاحظات على المسابقة التكتم على لجنة التحكيم التي تولت الإشراف عليها، حيث لم تُصدر لجنة المسابقات أي معلومة عن اللجنة، خلافا للمسابقات السابقة في مجال التعليم العالي، والتي كانت الوزارة تُصدر إعلانا بها، يحدد لجنة التحكيم، وكذا أسماء الخبراء في اللجان الفرعية في كل تخصص.
وطال التكتم أسماء الخبراء في اللجان الفرعية للمسابقة، حتى في توقيع المحاضر، حيث ظهرت وعليها التوقيعات دون أسماء الموقّعين.
كما تكتمت اللجنة على النتائج التفصيلية للمشاركين في المسابقة، رغم تقدّم بعضهم بطلبات موثقة للحصول عليها دون أن تتم الاستجابة لذلك، رغم أن الحصول على النتائج يعدّ ضروريا للاعتماد عليه في تقديم أي تظلم.
تجاوز للآجال
وكما طال أمد المسابقة كلها ليحطم الرقمي القياسي في تاريخ المسابقات في البلاد، تجاوزت اللجنة الأجل المحدد للرد على التظلمات حيث امتد من مجرد أربعة أيام – كما ورد في إعلان المسابقة - إلى 35 يوما.
فقد بدأت التظلمات في اليوم الموالي لإعلان نتائج المقبولية الإدارية المؤقتة، أي يوم 06 يونيو 2024، ولمدة ثلاثة أيام، لكن اللجنة لم ترد على التظلمات، ولم تعلن نتائج المقبولية الإدارية النهائية إلا يوم 18 يوليو، أي بعد مرور 35 يوما، متجاوزة الأجل الذي ألزمت به نفسها في الإعلان الافتتاحي للمسابقة.
تغيير الترتيب.
كما عمدت اللجنة إلى تغيير الترتيب الاستحقاقي للناجحين، وظهر ذلك في عدة مقاعد من بينها "المعلومات: شبكة وأنظمة وأمن الحواسيب"، حيث قفز المشارك د. محمد محفوظ الحران من الرتبة الخامسة في تنقيط الملفات إلى الرتبة الثالثة بعد المقابلة ليحل بذلك في لائحة الانتظار.
وكان لافتا أن ولد الحران تغير ترتيبه في اللائحة مع أن تخصصه تقنيات الهوائيات والاتصالات الفضائية، وليس النظم ولا أمن المعلومات، وهو حديث التخرج حيث تخرج يوم 5 يوليو 2023، أي خمسة أشهر قبل إعلان المسابقة.
كما طال التغيير في الترتيب مقعد التحكيم، حيث ظهر المتسابق الدكتور إلياس محمد بابي، صاحب الملف رقم: 168 في المركز الرابع، وفي المحضر النهائي لمرحلة التأهيل للنجاح ظهر في المركز الأول.
ومع أن المعقد – وفق إعلان المسابقة – خاص بالتحكيم، فقد أعلنت اللجنة فوز ولد محمد بابي به مع أن تخصصه هو القانون المدني ولا علاقة له بالتحكيم، وهو متخرج نفس العام الذي صدر فيه بلاغ المسابقة، أي 2023.
فيما تم استبعاد المتسابق اباهو لمرابط دحود، رغم أنه أطروحة دكتوراه في التحكيم، وقد حصل عليها في العام 2016، ولديه خبرة 9 سنوات، وتقدم بأكثر من 1000 ساعة تدريس، إضافة لأربع كتب، و15 مقالا محكما، وعدة مؤتمرات وطنية ودولية.
اعتراف بالخروقات
وفي يوم 20 أغسطس 2024، وجّه وزير التعليم العالي والبحث العلمي يعقوب ولد امين، والذي تنظّم المسابقة لصالح قطاعه رسالة إلى رئيس اللجنة الوطنية للمسابقات رصد من خلالها مجموعة من الخروقات التي اشتكى منها المشاركون في المسابقة.
وسردت الرسالة التي حملت الرقم: 000020 مجموعة من الخروقات أوردتها على شكل مطالب للنظر في "إمكانية تلبيتها بما يتوافق مع النصوص القانونية المعمول بها".
وتصدّرت الملاحظات والمطالب "ضرورة الرجوع إلى التوصيف الأصلي للمقاعد الوارد في إعلان المسابقة، وضرورة احترام إعلان المسابقة وتطبيق شبكة التنقيط"، إضافة للتأكد من خلوّ المنصة من الأخطاء الفنية التي قد يترتب عليها إلغاء ملفات المترشحين، والتعامل بإيجابية مع الحالات الواردة قبل إغلاق المنصة.
كما أكد الوزير للجنة ضرورة احترام الآجال القانونية للبتّ في الطعون، والتعامل بإيجابية فيما يتعلق بالأقدمية ومفهوم الأسلاك، واحترام الإعلان الأساسي للمسابقة فيما يتعلق بقبول الوثائق.
وذكّر ولد امين لجنة المسابقات بأن "الحاجة المتزايدة للقطاع تستدعي الاستفادة من كل الكفاءات الشبابية الوطنية التي تتوفر فيها شروط الاكتتاب".
طعون وتظلمات
وقد كان عمل اللجنة محل طعن أمام القضاء خصوصا الغرفة الإدارية في المحكمة العليا، حيث لجأ إليها عدد من المتسابقين بحثا عن الإنصاف والعدالة مما يصفونه بظلم لجنة المسابقات.
ففي المرحلة الأولى، أي مرحلة المقبولية الإدارية النهائية والتي أعلنت يوم 18 يوليو 2024، تقدّم نحو عشرة متسابقين بطعون أمام القضاء، وفي المرحلة الثانية التي أعلنت فيها نتائج المقاعد كلها باستثناء المقاعد التي علقها القضاء ارتفع عدد الطاعنين إلى نحو 20 متسابقا، وكان إعلان نتائجها بتاريخ 12 سبتمبر 2024، فيما بدأ مسار طعون آخر بعد إعلان نتائج المقاعد التي كانت معلقة شهر مارس المنصرم.
وبدأت الطعون في المسابقة بشكل مبكر، حيث كان أول الطعون يوم 19 يونيو 2024، وفي 11 يوليو أصدرت الغرفة الإدارية بالمحكمة العليا أمرا بتوقيف المسابقة، لتتراجع عنه يوم 17 يوليو، وتأذن باستئناف المسابقة، وفي اليوم الموالي، أي 18 يوليو أعلنت اللجنة نتائج المقبولية الادارية النهائية.
وبعد أسبوع، بدأ مسار طعون آخر أمام الغرفة الإدارية من متسابقين آخرين، وتم إبلاغ اللجنة الوطنية للمسابقات والوكالة القضائية للدولة بالطعن، لتأمر المحكمة يوم 08 أغسطس 2024 بإجراء تحقيق، خلُص إلى رصد العديد من الاختلالات، لتُصدر الغرفة قرارا بتعليق ستة مقاعد، في المعلوماتية والبيولوجيا، والقانون.
كما كانت المسابقة محل مسار طويل من التظلمات، أولها إلى الرئاسة، والوازرة الأول، وكذا وزارتي التعليم العالي والبحث العلمي، والعدل، والمجلس الأعلى للفتوى والمظالم، والمفتشية العامة للدولة، واللجنة الوطنية لحقوق الإنسان.
خلاصات تحقيق قضائي
وقد خلُص التحقيق الإداري الذي أجرته الغرفة الإدارية بالمحكمة العليا، وتولى تنفيذه القاضي المستشار بالمحكمة إبراهيم ولد اندح، وكاتب الضبط الرئيس الحسين ولد سيدي، إلى أن لجنة المسابقات تعاملت بـ"ازدواجية في المعايير، حيث انتهجت المرونة في بعض الأحيان لدرجة مخالفة بعض النصوص.. في حين لم تكترث باعتماد مثبتات بعض الطاعنين في تقديم شهاداتهم ومواءمتها مع توصيف المقاعد التي ترشحوا لها".
كما نبه التحقيق إلى أن لجنة تحكيم المسابقة التي لم يتم الإعلان عنها اعتبرت الشهادات البينية غير إقصائية في مرحلة المقبولية، متجاهلة ما ورد في إعلان المسابقة الذي ينص على أنه بعد انتهاء فترة الترشح لن يقبل أي ملف غير مكتمل، ولا إضافة أي وثيقة إلى الملف، ولا تغيير مجال التخصص أو المقعد المطلوب.
ورصد التحقيق جملة من الخروقات الأخرى، كتمديد الآجال لأكثر من مرة مع تغيير توصيف المقاعد، وعددها وتسميتها ومستواها في الإعلان الثاني المكمل، وكغياب التوقيعات على محاضر اللجنة، وعدم ورود أسماء أعضاء لجنة التحكيم في محضرهم الخاص بإعلان النتائج النهائية للمقبولية الإدارية، وعدم احترام الآجال القانونية المحددة في إعلان المسابقة.
"جرائم فساد"
وتضمنت رسائل الطاعنين في المسابقة والمتظلمين منها، والمعتصمين احتجاجا عليها أمام لجنة المسابقة، اتهام اللجنة بالتلاعب بالمسابقة، وتجاوز الشفافية، وارتكاب ما يصفونها بجرائم ترقى إلى مرتبة الفساد وخصوصا إساءة استغلال السلطة وعدم الشفافية.
وحذّر المشاركون في رسائلهم من تمرير ما وصفوها بـ"عملية فساد مركبة، تطال المصادر البشرية، والموارد المالية للدولة الموريتانية، وهو ما يستدعي تدخل المفتشية العامة للدولة لإجراء تفتيش في وقائع المسابقة.
واعتبر المشاركون المتضررون من المسابقة أن اكتتاب 100 أستاذ جامعي في مسابقة وصفوها بأنها غير معيارية، ولم تحترم النصوص المنظّمة لها، سيؤدي لضياع الأجيال الصاعدة، وإغراق الجهاز الإداري للدولة بغير الأكفاء، ولا المستحقين.
"نفي للخروقات"
وكانت اللجنة الوطنية للمسابقات قد أصدرت سابقا بيان ردت فيه على البيانات والرسائل الصادرة عن الدكاترة المحتجين على نتائج المسابقة، وخصوصا من اعتصموا أمام مكاتبها، واتهموها بالتلاعب بالنتائج، وتجاوز الشفافية.
وأكدت اللجنة في البيان الصادر عنها أكتوبر الماضي التزامها "بشبكة التقويم التي نشرت مع بلاغ المسابقة ولم تغيرها أو تستبدلها بشبكة أخرى"، لافتة إلى أن لجنة التحكيم وحرصا منها على الشفافية أعلنت المعايير التي اتخذتها لتطبيق تلك الشبكة لأن بها نقاطا تحتاج إلى تفسير وتأويل واجتهاد.
ووصفت اللجنة بيان الدكاترة بأنه حمل "مغالطات"، وأكدت استعدادها "للتراجع عن أي خطأ يظهر في أي مرحلة من مراحل تنظيم المسابقة".




